كتب/ أيمن بحر
لم يعرف العرب الأفيال كأداة حربية حتى شاهدوها فى جيش أبرهة الحبشى الذى هاجم مكة لهدم الكعبة في عام الفيل. خلّدت هذه الحادثة فى سورة الفيل بالقرآن الكريم وأدرك العرب إمكانية ترويض الأفيال للحروب، كما فعلوا مع خيولهم.
ظهور الفيل فى المدينة
فى عهد سيدنا أبى بكر الصديق (11-13 هـ)، وفى معركة ذات السلاسل بالعراق سنة 12 هـ، انتصر المسلمون بقيادة خالد بن الوليد على الفرس. أُرسل فيل ضمن الغنائم إلى المدينة المنورة، فاستغرب الناس رؤيته وسألت امرأة: أمن خلق الله هذا؟
فأمر أبو بكر بإعادته لتجنب الفتنة كما روى الطبرى. لكن كيف أسر المسلمون الفيل ونقلوه؟ ومتى تعلموا التعامل مع الأفيال؟
خبرة المثنى بن حارثة
المثنى بن حارثة الشيباني، من قبيلة بكر بن وائل القريبة من حدود الفرس كان مفتاح الإجابة. اكتسبت قبيلته خبرة في مواجهة الفرس من خلال معركة ذى قار حيث هزمت جيش الفرس رغم وجود الأفيال. قال النبي (صلى الله عليه وسلم) عنها: هذا أول يوم انتصف العرب من العجم، وبي نصروا. تعلموا مهارات إسقاط الأفيال والسيطرة عليها.
شارك المثنى مع خالد بن الوليد فى معارك ضد الفرس وبعد انتقال خالد إلى الشام سنة 13 هـ، تولى المثنى القيادة. فى معركة ببابل، واجه المسلمون فيلًا حاول اختراق صفوفهم، لكن المثنى ورفاقه قتلوه بمهارة.
عهد عمر بن الخطاب
عند تولي عمر بن الخطاب الخلافة (13-23 هـ)، دعا لقتال الفرس. طمأن المثنى الناس قائلًا: لا تخافوا الفرس فقد هزمناهم من قبل. استجاب أبو عبيد بن مسعود الثقفى وغيره، واختير أبو عبيد قائدًا للجيش مع أمر المثنى بطاعته كما ذكر البلاذرى.
معركة الجسر: درس قاسٍ فى معركة الجسر عند قس الناطف تجاهل أبو عبيد نصيحة المثنى بالبقاء على ضفة نهر الفرات فعبر إلى أرض ضيقة. واجه المسلمون أفيالًا لأول مرة فخافت خيولهم وترجل الجنود. استهدف الفرس المسلمين بالسهام من فوق الأفيال، ودهست الأفيال الكثيرين. تعلم المسلمون أسلوبين:
قطع الأحزمة لإسقاط الفرسان من فوق الأفيال.
قطع خرطوم الفيل، نقطة ضعفه.
حاول أبو عبيد قطع خرطوم فيل، لكنه قُتل، ففزع المسلمون. تولى المثنى القيادة وسحب الجيش عبر الجسر. رغم الهزيمة، اكتسبوا خبرة قيمة.
معركة البويب: أول انتصار
في معركة البويب، قاد المثنى المسلمين ضد الفرس، الذين استخدموا أفيالًا. حفّز المثنى جنوده، فانتصروا وطوروا مهاراتهم في مواجهة الأفيال.
معركة القادسية: هزيمة الأفيال
سنة 15 هـ، أرسل عمر سعد بن أبي وقاص للعراق. بناءً على نصيحة المثنى، استقر الجيش بالقادسية. واجهوا جيش الفرس بقيادة رستم، مع 33 فيلًا، بما فيها الفيل الأبيض "سابور". اخترقت الأفيال صفوف المسلمين، فخافت الخيول. دعم سعد الميمنة بقبيلة أسد، التي قتلت فيلًا بقطع خرطومه. استدعى سعد عاصم بن عمرو، الخبير من معركة الجسر، فقسم قواته:
رماة لقتل الفرسان فوق الأفيال.
مقاتلون لقطع الأحزمة وإسقاط الصناديق.
غيّر الفرس تكتيكهم، فزادوا الفرسان حول الأفيال وهاجموا بفيل واحد تلو الآخر. استشار سعد فرسًا مسلمًا، فأخبره أن العيون والمشافر نقاط ضعف الأفيال. أمر سعد القعقاع وعاصم باستهداف العيون. قتلا الفيل سابور، وطُعن الفيل الأجرب في عينه، ففرّ مع بقية الأفيال، مخترقًا صفوف الفرس.
النصر في القادسية
فرار الأفيال منح المسلمين التفوق، فانتصروا في القادسية. بفضل خبرة المثنى، عاصم، والقعقاع، وتكتيكات ذكية، تحولت الأفيال من تهديد إلى نقطة ضعف مهدت لانتصارات أخرى فى بلاد الفرس.