تحقيق / رضا السعيد
رغم ما تشهده مصر من تطور عمراني وتحسن نسبي في مؤشرات التنمية، لا تزال ظاهرة "الشحاتة" أو التسول تنتشر بشكل ملحوظ في الشوارع والميادين، وهو ما يشكّل تحديًا اجتماعيًا وأمنيًا للدولة والمجتمع على حد سواء.
في صورة يومية تتكرر، نرى رجالًا ونساءً وأطفالًا يمدّون أيديهم للمارة، بعضهم يحمل لافتات تثير الشفقة، وآخرون يستخدمون أساليب تمثيلية تهدف لاستدرار العطف، الأمر الذي أثار تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الحالات بالفعل بحاجة إلى العون، أم أن التسول أصبح مهنة مُربحة لدى البعض.
إحصائيات تكشف حجم الظاهرة
بحسب بيانات رسمية نشرتها وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي، فقد تم ضبط أكثر من 13 ألف متسول في محافظات الجمهورية خلال عام 2023، بينما تصدّرت القاهرة والجيزة قائمة المحافظات الأعلى في عدد المتسولين، تليهما الإسكندرية.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 60% من هذه الحالات لا تعاني من فقر حقيقي، بل تمارس التسول كوسيلة لتحقيق الربح، بينما تم رصد نحو 5 آلاف حالة بحاجة فعلية إلى الدعم، جرى تحويلها إلى دور رعاية اجتماعية. وتواصل فرق التدخل السريع، وعددها 15 فريقًا ميدانيًا، أعمالها لرصد الحالات في الشوارع والتعامل معها.
جهود الدولة في المواجهة
في إطار مكافحة هذه الظاهرة، أطلقت الدولة عددًا من المبادرات الاجتماعية، على رأسها برنامج "تكافل وكرامة" الذي يوفر دعمًا ماليًا شهريًا للأسر الأكثر احتياجًا، إضافة إلى حملات دورية من الأمن الاجتماعي لإزالة المتسولين من الطرق العامة، مع تقديم الدعم الحقيقي لمن يثبت أنه في حاجة فعلية للمساعدة.
كما تعمل وزارة التضامن على رفع الوعي المجتمعي، داعية المواطنين إلى توجيه تبرعاتهم إلى الجهات الموثوقة بدلًا من تقديمها مباشرة في الشارع، ما يُساهم في تقليل فرص استغلال التسول كوسيلة غير مشروعة للكسب.
المجتمع شريك في الحل
يرى خبراء الاجتماع أن ظاهرة التسول لا يمكن القضاء عليها بجهود الدولة وحدها، بل تحتاج إلى وعي مجتمعي شامل، ومشاركة فعالة من المواطنين في التمييز بين المحتاج الحقيقي والمحتال، والتوقف عن تشجيع هذه الممارسات دون قصد.
خلاصة القول، إن مكافحة التسول تتطلب توازنًا دقيقًا بين تطبيق القانون، ورعاية الفئات المحتاجة، وتعزيز الوعي العام، وصولًا إلى مجتمع أكثر كرامة وإنسانية وعدالة.
