تحقيق: رضا السعيد
في أزقة القاهرة، وشوارع القرى والأحياء الشعبية، لم تعد سيارات الأجرة أو الحافلات هي الوسيلة الوحيدة للتنقل. دخل "التوك توك" على الخط بقوة، كحل اقتصادي سريع، لكنه سرعان ما تحول إلى ظاهرة جدلية بين من يراه "فرصة عمل لفقراء" ومن يراه "كارثة على المجتمع".
الظهور والانتشار
بدأ ظهور التوك توك في مصر مطلع الألفية، كوسيلة نقل مستوردة من الهند، وانتشر سريعًا في المحافظات، خاصة في المناطق التي يصعب على سيارات النقل الكبيرة الوصول إليها. وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من 3 ملايين توك توك في البلاد، معظمها غير مرخص.
رزق اليوم باليوم
يقول "محمود"، شاب في العشرين من العمر من إحدى قرى الجيزة: "أنا بشتغل على التوك توك من 3 سنين. ساعدني أفتح بيت وأصرف على إخواتي. مفيش شغل تاني". كلام محمود يعبّر عن واقع آلاف الشباب الذين وجدوا في التوك توك بابًا للرزق في ظل ارتفاع معدلات البطالة.
خطر في الشوارع
لكن الصورة ليست وردية. حوادث التوك توك أصبحت مألوفة. القيادة دون رخصة، والسرعة الزائدة، وعدم الالتزام بقواعد المرور، جعلت من التوك توك خطرًا متحركًا. تقول "منى"، موظفة من القاهرة: "بخاف أركب توك توك، خصوصًا بالليل. السواقين ساعات بيبقوا أطفال، ومش عارفين يسوقوا".
وجهان للعملة
الدولة من جانبها لم تغفل الأمر. فقد أعلنت وزارة التنمية المحلية عن خطط لحصر التوك توك وترخيصه، وطرحت مبادرات لاستبداله بسيارات "ميني فان" تعمل بالغاز الطبيعي. إلا أن هذه الخطط تواجه صعوبات، أهمها عدم تعاون السائقين أنفسهم، وخوفهم من الرسوم والقيود.
استغلال أم أداة للجريمة؟
وفي تقارير أمنية، ثبت استخدام التوك توك في عمليات سرقة وتحرش ونقل مواد مخدرة، لسهولة التنقل به داخل الحارات الضيقة وهروبه من أعين الشرطة. وتؤكد مصادر أمنية أن صعوبة تتبع التوك توك غير المرخص يشكل تحديًا كبيرًا في مكافحة الجريمة.
الحل في التنظيم لا الإلغاء
يرى خبراء المواصلات أن الحل ليس في منع التوك توك، بل في تقنينه. يقول د. سامي مصطفى، أستاذ النقل بجامعة القاهرة: "نحتاج إلى دمج التوك توك في منظومة النقل الرسمية، مع وضع ضوابط واضحة للترخيص والتأمين والتدريب على القيادة".
بين الحاجة الاقتصادية والمخاطر الأمنية، يبقى التوك توك واقعًا لا يمكن إنكاره في الشارع المصري. لكن يبقى السؤال: هل نتركه يسرح بلا قيد؟ أم نُحوله من مشكلة إلى جزء من الحل؟